فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} أي يَئِسوا؛ مثل عَجِب واستعجب، وسَخِر واستسخر.
{خَلَصُواْ} أي انفردوا وليس هو معهم.
{نَجِيًّا} نصب على الحال من المضمر في {خَلَصُوا} وهو واحد يؤدّي عن جمع، كما في هذه الآية؛ ويقع على الواحد كقوله تعالى: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] وجمعه أَنْجِيَة؛ قال الشاعر:
إنِّي إذا ما القومُ كانوا أَنْجِيَهْ ** واضطرب القومُ اضطراب الأَرْشِيَهْ

هُنَاكَ أَوْصِينِي وَلاَ تُوصِي بِيَهْ

وقرأ ابن كثير: {استايسوا} {وَلاَ تَايَسُوا} {إنه لاَ يَايَسُ} {أَفَلَمْ يَايَس} بألف من غير همز على القلب؛ قدَّمت الهمزة وأخَّرت الياء، ثم قلبت الهمزة ألفًا لأنها ساكنة قبلها فتحة؛ والأصل قراءة الجماعة؛ لأن المصدر ما جاء إلا على تقديم الياء يأسًا والإياس ليس بمصدر أَيِسَ؛ بل هو مصدر أُسْتُهُ أَوْسًا وَإيَاسًا أي أعطيته.
وقال قوم: أَيِس وَيئِس لغتان؛ أي فلما يئسوا من ردّ أخيهم إليهم تشاوروا فيما بينهم لا يخالطهم غيرهم من الناس، يتناجون فيما عَرَض لهم.
والنَّجيّ فعيل بمعنى المناجي.
قوله تعالى: {قَالَ كَبِيرُهُمْ} قال قَتَادة: هو روبيل، كان أكبرهم في السِّن.
مجاهد: هو شمعون، كان أكبرهم في الرأي.
وقال الكلبي: يهوذا؛ وكان أعقلهم.
وقال محمد بن كعب وابن إسحق: هو لاَوَى، وهو أبو الأنبياء.
{أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مِّنَ الله} أي عهدًا من الله في حفظ ابنه، وردّه إليه.
{وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} {ما} في محل نصب عطفًا على أن والمعنى: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقًا من الله، وتعلموا تفريطكم في يوسف؛ ذكره النحاس وغيره.
ومن في قوله: {وَمِنْ قَبْلُ} متعلقة ب {تعلموا}.
ويجوز أن تكون ما زائدة؛ فيتعلق الظرفان اللذان هما {مِنْ قَبْلُ} و{فيِ يُوسُفَ} بالفعل وهو {فَرَّطْتُمْ}.
ويجوز أن تكون {ما} والفعل مصدرًا، {ومِنْ قَبْلُ} متعلقًا بفعل مضمر؛ التقدير: تفريطكم في يوسف واقع من قبل؛ فما والفعل في موضع رفع بالابتداء، والخبر هو الفعل المضمر الذي يتعلق به {مِنْ قَبْلُ}.
{فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} أي ألزمها، ولا أبرح مقيمًا فيها؛ يقال: بَرِحَ بَرَاحًا وبُرُوحًا أي زال، فإذا دخل النفي صار مثبتًا.
{حتى يَأْذَنَ لي أبي} بالرجوع فإنّي أستحي منه.
{أَوْ يَحْكُمَ الله لِي} بالممرّ مع أخي فأمضي معه إلى أبي.
وقيل: المعنى أو يحكم الله لي بالسيف فأحارب وآخذ أخي، أو أعجز فأنصرف بعذر، وذلك أن يعقوب قال: {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ} ومن حارب وعَجَز فقد أحيط به؛ وقال ابن عباس: وكان يهوذا إذا غضب وأخذ السيف فلا يردّ وجهه مائة ألف؛ يقوم شعره في صدره مثل المَسَالّ فتنفذ من ثيابه.
وجاء في الخبر أن يهوذا قال لإخوته وكان أشدّهم غضبًا: إما أن تكفوني الملِك ومن معه أكفكم أهل مصر؛ وإما أن تكفوني أهل مصر أكفكم الملِك ومن معه؛ قالوا: بل اكفنا الملك ومن معه نكفِك أهل مصر؛ فبعث واحدًا من إخوته فعدّوا أسواق مصر فوجدوا فيها تسعة أسواق، فأخذ كل واحد منهم سوقًا؛ ثم إنّ يهوذا دخل على يوسف وقال: أيها الملك! لئن لم تخلِّ معنا أخانا لأصيحن صيحة لا تبقي في مدينتك حاملًا إلا أسقطت ما في بطنها؛ وكان ذلك خاصة فيهم عند الغضب؛ فأغضبه يوسف وأسمعه كلمة، فغضب يهوذا واشتد غضبه، وانتفجت شعراته؛ وكذا كان كل واحد من بني يعقوب؛ كان إذا غضب، اقشعر جلده، وانتفخ جسده، وظهرت شعرات ظهره من تحت الثوب، حتى تقطر من كل شعرة قطرة دم؛ وإذا ضرب الأرض برجله تزلزلت وتهدّم البنيان، وإن صاح صيحة لم تسمعه حامل من النساء والبهائم والطير إلا وضعت ما في بطنها، تمامًا أو غير تمام؛ فلا يهدأ غضبه إلا أن يسفك دمًا، أو تمسكه يدٌ من نسل يعقوب؛ فلما علم يوسف أن غضب أخيه يهوذا قد تمّ وكمل كَلَّم ولدًا له صغيرًا بالقبطية، وأمره أن يضع يده بين كتفي يهوذا من حيث لا يراه؛ ففعل فسكن غضبه وألقى السيف فالتفت يمينًا وشمالًا لعله يرى أحدًا من إخوته فلم يره؛ فخرج مسرعًا إلى إخوته وقال: هل حضرني منكم أحد؟ قالوا: لا قال: فأين ذهب شمعون؟ قالوا: ذهب إلى الجبل؛ فخرج فلقيه، وقد احتمل صخرة عظيمة؛ قال: ما تصنع بهذه؟ قال أذهب إلى السوق الذي وقع في نصيبي أشدخ بها رؤوس كل من فيه؛ قال: فارجع فردّها، أو ألقها في البحر، ولا تحدثنّ حَدَثًا؛ فوالذي اتخذ إبراهيم خليلا لقد مَسَّني كَفٌّ من نَسْل يعقوب.
ثم دخلوا على يوسف، وكان يوسف أشدّهم بطشًا، فقال: يا معشر العبرانيين! أتظنون أنه ليس أحد أشدّ منكم قوة، ثم عمد إلى حجر عظيم من حجارة الطاحونة فَرَكَله برجله فَدَحا به من خلف الجدار الرَّكْلُ الضرب بالرجل الواحدة؛ وقد رَكَله يَركُله؛ قاله الجوهري ثم أمسك يهوذا بإحدى يديه فصرعه (لجنبه)، وقال: هات الحدادين أقطع أيديهم وأرجلهم وأضرب أعناقهم، ثم صعد على سريره، وجلس على فراشه، وأمر بصُواعِه فوضع بين يديه، ثم نقره نقرة فخرج طنينه، فالتفت إليهم وقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: لا قال: فإنه يقول: إنه ليس على قلب أبي هؤلاء همّ ولا غمّ ولا كرب إلا بسببهم، ثم نقر نقرة ثانية وقال: إنه يخبرني أن هؤلاء أخذوا أخًا لهم صغيرًا فحسدوه ونزعوه من أبيهم ثم أتلفوه؛ فقالوا: أيها العزيز! استر علينا ستر الله عليك، وامنن علينا منّ الله عليك؛ فنقره نقرة ثالثة وقال إنه يقول: إن هؤلاء طرحوا صغيرهم في الجُبّ، ثم باعوه بيع العبيد بثمن بخس، وزعموا لأبيهم أن الذئب أكله؛ ثم نقره رابعة وقال: إنه يخبرني أنكم أذنبتم ذنبًا منذ ثمانين سنة لم تستغفروا الله منه؛ ولم تتوبوا إليه، ثم نقره خامسة وقال إنه يقول: إن أخاهم الذي زعموا أنه هلك لن تذهب الأيام حتى يرجع فيخبر الناس بما صنعوا؛ ثم نقره سادسة وقال إنه يقول: لو كنتم أنبياء أو بني أنبياء ما كذبتم ولا عققتم والدكم؛ لأجعلنّكم نكالًا للعالمين.
إيتوني بالحدّادين أقطع أيديهم وأرجلهم، فتضرعوا وبكوا وأظهروا التوبة وقالوا: لو قد أصبنا أخانا يوسف إذ هو حيّ لنكونن طوع يده، وترابًا يطأ علينا برجله؛ فلما رأى ذلك يوسف من إخوته بكى وقال لهم: اخرجوا عني! قد خلّيت سبيلكم إكرامًا لأبيكم، ولولا هو لجعلتكم نكالًا.
قوله تعالى: {ارجعوا إلى أَبِيكُمْ}
قاله الذي قال: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ}.
{فَقُولُواْ يا أبانا إِنَّ ابنك سَرَقَ} وقرأ ابن عباس والضّحاك وأبو رزِين {إنَّ ابنك سُرِّقَ}.
النحاس: وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدّثنا ابن شَاذَان قال حدّثنا أحمد بن أبي سُرَيج البغداديّ قال: سمعت الكسائيّ يقرأ: {يَا أَبَانَا إنَّ ابنك سُرِّقَ} بضم السين وتشديد الرّاء مكسورة؛ على ما لم يُسمّ فاعله؛ أي نُسب إلى السرقة ورُمي بها؛ مثل خوّنته وفسّقته وفجرّته إذا نسبته إلى هذه الخلال.
وقال الزجاج: {سُرِّقَ} يحتمل معنيين: أحدهما علم منه السَّرَق، والآخر اتهم بالسَّرَق.
قال الجوهري: والسَّرِق والسَّرِقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر سَرَق يَسْرِق سَرَقًا بالفتح.
قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا}.
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} يريدون ما شهدنا قطّ إلا بما علمنا، وأما الآن فقد شهدنا بالظاهر وما نعلم الغيب؛ كأنهم وقعت لهم تهمة من قول بنيامين: دَسَّ هذا في رحلي مَن دَسَّ بضاعتكم في رحالكم؛ قال معناه ابن إسحق. وقيل المعنى: ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يُسْتَرَقُّ إلا بما علمنا من دينك؛ قاله ابن زيد.
{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} أي لم نعلم وقت أخَذْناه منك أنه يَسْرِق فلا نأخذه.
وقال مجاهد وقتادة: ما كنا نعلم أن ابنك يُسترقّ ويصير أمرنا إلى هذا، وإنما قلنا: نحفظ أخانا فيما نطيق.
وقال ابن عباس: يعنون أنه سَرَق ليلًا وهم نيام، والغيب هو الليل بلغة حِمْير؛ وعنه: ما كنا نعلم ما يصنع في ليله ونهاره وذهابه وإيابه.
وقيل: ما دام بمرأى منا لم يجر خَلَل، فلما غاب عنا خفيت عنا حالاته.
وقيل معناه: قد أخِذت السّرِقة من رَحْله، ونحن أخرجناها وننظر إليها، ولا علم لنا بالغيب، فلعلهم سَرَّقوه ولم يَسرِق.
الثانية: تضمّنت هذه الآية جواز الشهادة بأي وجه حصل العلم بها؛ فإن الشهادة مرتبطة بالعلم عقلًا وشرعًا، فلا تسمع إلا ممن عَلِم، ولا تقبل إلا منهم، وهذا هو الأصل في الشهادات؛ ولهذا قال أصحابنا: شهادة الأعمى جائزة، وشهادة المستمع جائزة، وشهادة الأخرس إذا فهمت إشارته جائزة؛ وكذلك الشهادة على الخطّ إذا تيقّن أنه خطّه أو خطّ فلان صحيحة فكل من حصل له العلم بشيء جاز أن يشهد به وإن لم يُشهِده المشهود عليه؛ قال الله تعالى: {إِلاَّ مَن شَهِدَ بالحق وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أخبركم بخير الشهداء خيرُ الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها» وقد مضى في البقرة.
الثالثة: اختلف قول مالك في شهادة المرور؛ وهو أن يقول: مررت بفلان فسمعته يقول كذا فإن استوعب القول شهِد في أحد قوليه، وفي القول الآخر لا يشهد حتى يُشهداه.
والصحيح أداء الشهادة عند الاستيعاب؛ وبه قال جماعة العلماء، وهو الحق؛ لأنه (قد) حصل المطلوب، وتعيّن عليه أداء العلم؛ فكان خير الشهداء إذا أعلم المشهود له، وشر الشهداء إذا كتمها (والله أعلم).
الرابعة: إذا ادعى رجل شهادة لا يحتملها عمره ردّت؛ لأنه ادعى باطلًا فأكذبه العِيَان ظاهرًا.
{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)}
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {واسأل القرية التي كُنَّا فِيهَا والعير} حَقَّقوا بها شهادتهم عنده، ورفعوا التهمة عن أنفسهم لئلا يتهمهم.
فقولهم: {واسأل الْقَرْيَةَ} أي أهلها؛ فحُذِف؛ ويريدون بالقرية مصر.
وقيل: قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها.
وقيل المعنى: {واسأل الْقَرْيَةَ} وإن كانت جمادًا، فأنت نبيّ الله، وهو يُنطق الجماد لك؛ وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار؛ قال سيبويه: ولا يجوز كَلِّم هِندًا وأنت تريد غلام هند؛ لأن هذا يُشكل.
والقول في العِير كالقول في القرية سواء.
{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في قولنا.
الثانية: في هذه الآية من الفقه أن كل من كان على حق، وعلِم أنه قد يُظنّ به أنه على خلاف ما هو عليه أو يتوهَّم أن يرفع التهمة وكلّ ريبة عن نفسه، ويصرّح بالحق الذي هو عليه، حتى لا يبقى لأحد مُتكلَّم؛ وقد فعل هذا نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله للرجلين اللذين مرًّا وهو قد خرج مع صفِية يَقْلِبُها من المسجد: «على رسلِكما إنما هي صفية بنت حُيَيّ» فقالا: سبحان الله! وكَبُر عليهما؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدّم وإني خَشِيت أن يَقذِف في قلوبكما شيئًا» رواه البخاري ومسلم.
{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ} أي زَيَّنَتْ.
{لَكُمْ أَنفُسُكُمْ} أن ابني سَرَق وما سَرَق، وإنما ذلك لأمر يريده الله.
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي فشأني صبر جميل؛ أو صبر جميل أولى بي، على ما تقدّم أوّل السورة.
الثانية: الواجب على كل مسلم إذا أصيب بمكروه في نفسه أو ولده أو ماله أن يتلقى ذلك بالصبر الجميل، والرضا والتسليم لمجرِيه عليه وهو العليم الحكيم، ويقتدي (بنبي الله) يعقوب وسائر النبيين، صلوات الله عليهم أجمعين.
وقال سعيد بن أبي عَرُوبة عن قَتَادة عن الحسن قال: ما من جرعتين يتجرّعهما العبد أحبّ إلى الله من جرعة مصيبة يتجرّعها العبد بحسن صبر وحسن عَزَاء، وجرعة غيظ يتجرّعها العبد بحلم وعفو.
وقال ابن جُريج عن مجاهد في قوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي لا أشكو ذلك إلى أحد.
وروى مقاتل بن سليمان عن عطاء بن أبي رَبَاح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَثَّ لم يَصْبِر».
وقد تقدّم في البقرة أن الصبر عند أوّل الصَّدمة، وثواب من ذكر مصيبته واسترجع وإن تقادم عهدها.
وقال جُوَيبر عن الضحّاك عن ابن عباس قال: إن يعقوب أُعطي على يوسف أجر مائة شهيد، وكذلك من احتسب من هذه الأمة في مصيبته فله (مثل) أجر يعقوب عليه السلام.
قوله تعالى: {عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} لأنه كان عنده أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم يمت، وإنما غاب عنه خبره؛ لأن يوسف حمِل وهو عبد لا يملك لنفسه شيئًا، ثم اشتراه الملك فكان في داره لا يظهر للناس، ثم حُبس، فلما تمكن احتال في أن يعلم أبوه خبره؛ ولم يُوجّه برسول لأنه كرِه من إخوته أن يعرفوا ذلك: فلا يَدعوا الرسول يَصلُ إليه.
وقال: {بهم} لأنهم ثلاثة؛ يوسف وأخوه، والمتخلّف من أجل أخيه، وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ}.
{إِنَّهُ هُوَ العليم} بحالي.
{الحكيم} فيما يقضي. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {فلما استيأسوا منه} يعني أيسوا من يوسف أن يجيبهم لما سألوه، وقيل: أيسوا من أخيهم أن يرد عليهم، وقال أبو عبيدة: استيأسوا أي استيقنوا أن الأخ لا يرد إليهم: {خلصوا نجيًا} يعني خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون ليس فيهم غيرهم: {قال كبيرهم} يعني في العقل والعلم لا في السن، قال ابن عباس: الكبير يهوذا وكان أعقلهم وقال مجاهد هو شمعون وكانت له الرئاسة على إخوته، وقال قتادة والسدي والضحاك: هو روبيل وكان أكبرهم سنًا وأحسنهم رأيًا في يوسف لأنه نهاهم عن قتله: {ألم تعلموا أن أباكم} يعني يعقوب: {قد أخذ عليكم موثوقًا} يعني عهدًا: {من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف} يعني قصرتم في أمر يوسف حتى ضيعتموه: {فلن أبرح الأرض} يعني الأرض التي أنا فيها وهي أرض مصر والمعنى فلن أخرج من أرض مصر ولا أفارقها على هذه الصورة: {حتى يأذن لي أبي} يعني في الخروج من أرض مصر فيدعوني إليه: {أو يحكم الله لي} برد أخي عليّ أو بخروجي معكم وترك أخي أو يحكم الله لي بالسيف فأقاتلهم حتى أسترد أخي: {وهو خير الحاكمين} لأنه يحكم بالحق والعدل والإنصاف، والمراد من هذا الكلام الالتجاء إلى الله تعالى في إقامة عذره عند والده يعقوب.